ميشال مرقص الحياة - 17/03/08//
لم ُتجدِ أمنياتُ الرئيس الأميركي جورج بوش، بتفضيله دولاراً قوياً، ولا إجراءاتُ مجلس الاحتياط الفيديرالي (المركزي الأميركي)، ضخ 200 بليون دولار إضافي لإرواء عطش المؤسسات المالية إلى سيولة، لتوظيفها في الاقتصاد الوطني، بهدف انتشاله مما وصل إليه. وإذا كانَ المسؤولُ الأول «واثقاً بأن اقتصاد بلاده سينهض من كبوته» ، فلأن لهذا الوهنِ إيجابيات على رغم سلبياتٍ كثيرة تخطّت حدود الدولة العظمى لتُحدث إرباكاً عالمياً وترمي ظلالاً على امتداد مساحة العولمة.
ِِِِِِِِِِِِِِِفالأزمة العقارية، - التي ترّددت إحداثياتها على ضفتي الأطلسي، أوجبت على مؤسساتٍ مالية كبرى، كانت تشكّل ركائز اقتصادية قويّة ودعامات متينة للاقتصادات الوطنية-، شطب 285 بليون دولار ديونًا هالكة. قد لا يشكّلُ المبلغ نسبة كبرى من قيمة الاقتصاد العالمي، لكنه يبدو الواجهة التي سبقت انخفاض قيمة الدولار وانهيار أسواق المال وإصابة الأسهم العالمية بخسائر غير منتظرة، لا تُعوّض. وفي المقابل رفعت أسعار النفط والمعادن الثمينة والمواد الأولية والمنتجات الزراعية والأغذية.
وانطلاقًا من فرضية اقتصادية «ان من يشترِ يدفع ثمن الأزمة، ومن يبع يُحقق أرباحاً»، بدت جغرافية الاقتصاد المعولم ذات تضاريس متباينة ومعالم مختلفة. وانطلاقاً من الولايات المتحدة ذاتها، أفادت «ذي إيكونومست» (مطلع شباط/فبراير الماضي)، بأن ولاياتٍ لم تتأثّر بنتائج أزمة الرهن العقاري العالي الأخطار، وحتى لم تشعر بها. وتمثل ثنائية التباين ولايتا «مونتانا» و»ميتشيغان» . الأولى تعتمد على الصناعة المنجمية والزراعة والسياحة، وتتوقع نمواً 4 في المئة في 2008، والثانية وقعت أسيرة تراجع صناعة السيارات والأزمة العقارية. وانسحاباً، يوجد حزامٌ من الولايات يبدأ من تكساس إلى الشمال الشرقي، صمد في وجه الأزمة الاقتصادية بفضل زيادة صادراته وارتفاع أسعار المواد الأولية، في مقابل ولايات باقية كبّلها الركود الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة.
وفي الواقع، عزّز «الدولار الضعيف»، الصادرات الأميركية، وقلّص الفجوة الكبرى في الميزان التجاري، الذي بدأ يستعيد توازنه مع الزبائن التجاريين، تتقدمهم الهند والصين. وشكّلت الصين، في الأعوام القليلة الماضية، المنافس الأقوى للولايات المتحدة، وحققت على حسابها، فائضاً تجارياً كبيراً، يبدو أن وتيرةَ نموه بدأت تتراجع بفعل ارتفاع قيمة اليوان الصيني.
وينسحبُ التباين في إحداثيات الأزمة الاقتصادية بين الولايات الأميركية، إلى بلدان العالم. فالدول المصدّرة للنفط، والمواد الأولية المنجمية، والمعادن الثمينة والمنتجات الزراعية، في طليعة المستفيدين. وتقتصر الإفادة على قدرة هذه البلدان، على الاحتفاظ بمستوى عائد مالي كانت تحققه سابقًا، لو قوّم هذا العائد، بالسعر الثابت. وتأتي ثانية البلدان الناشئة، وأثبتت قدرتها على الاستمرار في مواجهة الضغوط التجارية على رغم خسارة العملة الأميركية نسبةً كبيرة تجاه عملاتها الوطنية، تجاوزت 10 في المئة منذ مطلع السنة الحالية. واستطاعت دولٌ في منطقة اليورو، أن تعزّز صادراتها أيضًا، لأن أسواقها الأساسية هي داخل الاتحاد الأوروبي، وتتعامل بـ «عملة موحدّة» تسهّل انسياب المنتجات فلا تواجه فروق صرفٍ تسبب عثرة تجارية.
وتتحكّم الأزمة الاقتصادية، بفعل الضرورة والنتائج، باتجاهات الاستثمار وتَوَجُّه اليد العاملة. ففي الولايات المتحدة كان العاطلون عن العمل يتوجهون نحو ولايات الجنوب خلال أزمة تسعينات القرن الماضي، لكنهم اليوم عاجزون عن الانتقال إذ لا يجدون من يشتري منازلهم، وبذلك ترتفع معدلات البطالة في ولايات،ٍ بينما تحتاجُ ولاياتٌ نامية إلى يد عاملة. لكن المؤسسات تهاجر إلى البلدان الناشئة، وتحقق أرباحًا وتعلن عن موازنات وحجم أعمال كبير بالعملة الأميركية الضعيفة. ففي الشهرين الأولين من هذا العام، تراجع عدد المنشآت الأميركية المستثمرة في الصين ولكن أصولها ارتفعت ، و يعود السبب في جزءٍ كبيرٍ منه، إلى ارتفاع تكلفة الاستثمار في الصين بدفع من إعادة تقويم عملتها الوطنية، ونتيجةً لضعف الدولار.
ويلاحظ، على رغم انعكاسات الأزمة الاقتصادية وتردداتها، أن معظم الشركات المتعددة الجنسيات، أعلن عن تحقيق أرباحٍ في عملياته لعام 2007، ويتوقع أرباحاً هذه السنة. وأن مصرفاً أوروبياً واحداً خسر، بينما بقية المصارف الكبرى، حققت أرباحاً على رغم شطبها قسمًا كبيراً من أصولها بسبب الديون الهالكة. ويبدو أن اكتنازها من عملياتها السابقة جنّبها السقوط المدمّر. وتوجّهت شركاتٌ كبرى إلى الهند والصين، ومنها شركات تجزئة، وارتفعت مبيعات منشآت متنوّعة الإنتاج، من الأغذية والسلع الصغيرة إلى المنشآت التي تتولى تنفيذ مشاريع وتجهيزات كبرى ذات تقنيات عالية. وتتمتع هذه الشركات بوجودٍ قوي في البلدان الناشئة. ويرى ماك مارغوليس في «نيوزويك» أن أسواق البلدان الناشئة، « لا تصمد في وجه الرياح المعاكسة الآتية من الولايات المتحدة وحسب، بل تؤمِّن أيضاً، النسب الأعلى من العوائد والأرباح والحصة في السوق، إلى الأعمال في البلدان المتقدمة». وتقدّم دولٌ مثل البرازيل والصين والهند والمكسيك ثلثي أرباح الشركات المتعددة الجنسية و60 في المئة من نموها.
لكن هذه الطفرة المالية والاقتصادية، التي تشهدها بلدانٌ ناشئة، قد تتأثّر بقدرة الأميركيين على الإنفاق. فالطبقة الوسطى التي بدأت تتوسّع قاعدتها، لدى تلك البلدان، لم تصل بعد إلى مستوى حجم إنفاق الأميركيين. وبحسب تقارير لـ «مورغان ستانلي»، فإن حجم الاستهلاك في الهند والصين لا يوازي سُدْسَ ما تستهلكه الولايات المتحدة، من هنا أهميتها على صعيد الاقتصاد العالمي، كونها اكبر مستهلك لمنتجات الاقتصاد الناشئ، فهي تستورد بحوالى تريليوني دولار، على رغم تسجيلها عجزاً في الموازنة يوازي 2 في المئة من ناتجها المحلي، وآخر تجاري يوازي 6.5 في المئة، ما يجبرُ هذه الدولة العظمى على أن تقترض من شركائها التجاريين 10 ملايين دولار في كل ساعة. وعلى رغم ذلك تبقى في حاجة إلى الاستيراد لتقوية صناعتها، لأن 60 في المئة من إجـــمالي وارداتها يذهب إلى الصناعة المحلية التي تستخدمه في إنتاجها العابر للقارات في ما بعد. وإذا عجزت هذه الصــناعة يرتد خمولها على البلدان الناشئة.
وبخلاف الظواهر الاقتصادية والتباين الظاهري، فإن الولايات المتحدة «ابتدعت» مع الصين والبلدان الناشئة على المحيط الهادئ، اتفاقَ «بريتون وودز» خاصاً، ما يضمن لها «إخلاص» البلدان الناشئة للدولار، ولمدةٍ طويلة، وتضمن أميركا انسياب منتجات هذه الدول إليها.
لذا يبدو «ضعف» الدولار، سياسة جديدة تهدفُ إلى تحقيق جدوى اقتصادية أوسع، وقد تهدف إلى استقطاب استثمارات أجنبية إلى داخل الولايات المتحدة.
تحليل اقتصادي - أميركا وشركاؤها الاقتصاديون
ميشال مرقص الحياة - 17/03/08//
لم ُتجدِ أمنياتُ الرئيس الأميركي جورج بوش، بتفضيله دولاراً قوياً، ولا إجراءاتُ مجلس الاحتياط الفيديرالي (المركزي الأميركي)، ضخ 200 بليون دولار إضافي لإرواء عطش المؤسسات المالية إلى سيولة، لتوظيفها في الاقتصاد الوطني، بهدف انتشاله مما وصل إليه. وإذا كانَ المسؤولُ الأول «واثقاً بأن اقتصاد بلاده سينهض من كبوته» ، فلأن لهذا الوهنِ إيجابيات على رغم سلبياتٍ كثيرة تخطّت حدود الدولة العظمى لتُحدث إرباكاً عالمياً وترمي ظلالاً على امتداد مساحة العولمة.
ِِِِِِِِِِِِِِِفالأزمة العقارية، - التي ترّددت إحداثياتها على ضفتي الأطلسي، أوجبت على مؤسساتٍ مالية كبرى، كانت تشكّل ركائز اقتصادية قويّة ودعامات متينة للاقتصادات الوطنية-، شطب 285 بليون دولار ديونًا هالكة. قد لا يشكّلُ المبلغ نسبة كبرى من قيمة الاقتصاد العالمي، لكنه يبدو الواجهة التي سبقت انخفاض قيمة الدولار وانهيار أسواق المال وإصابة الأسهم العالمية بخسائر غير منتظرة، لا تُعوّض. وفي المقابل رفعت أسعار النفط والمعادن الثمينة والمواد الأولية والمنتجات الزراعية والأغذية.
وانطلاقًا من فرضية اقتصادية «ان من يشترِ يدفع ثمن الأزمة، ومن يبع يُحقق أرباحاً»، بدت جغرافية الاقتصاد المعولم ذات تضاريس متباينة ومعالم مختلفة. وانطلاقاً من الولايات المتحدة ذاتها، أفادت «ذي إيكونومست» (مطلع شباط/فبراير الماضي)، بأن ولاياتٍ لم تتأثّر بنتائج أزمة الرهن العقاري العالي الأخطار، وحتى لم تشعر بها. وتمثل ثنائية التباين ولايتا «مونتانا» و»ميتشيغان» . الأولى تعتمد على الصناعة المنجمية والزراعة والسياحة، وتتوقع نمواً 4 في المئة في 2008، والثانية وقعت أسيرة تراجع صناعة السيارات والأزمة العقارية. وانسحاباً، يوجد حزامٌ من الولايات يبدأ من تكساس إلى الشمال الشرقي، صمد في وجه الأزمة الاقتصادية بفضل زيادة صادراته وارتفاع أسعار المواد الأولية، في مقابل ولايات باقية كبّلها الركود الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة.
وفي الواقع، عزّز «الدولار الضعيف»، الصادرات الأميركية، وقلّص الفجوة الكبرى في الميزان التجاري، الذي بدأ يستعيد توازنه مع الزبائن التجاريين، تتقدمهم الهند والصين. وشكّلت الصين، في الأعوام القليلة الماضية، المنافس الأقوى للولايات المتحدة، وحققت على حسابها، فائضاً تجارياً كبيراً، يبدو أن وتيرةَ نموه بدأت تتراجع بفعل ارتفاع قيمة اليوان الصيني.
وينسحبُ التباين في إحداثيات الأزمة الاقتصادية بين الولايات الأميركية، إلى بلدان العالم. فالدول المصدّرة للنفط، والمواد الأولية المنجمية، والمعادن الثمينة والمنتجات الزراعية، في طليعة المستفيدين. وتقتصر الإفادة على قدرة هذه البلدان، على الاحتفاظ بمستوى عائد مالي كانت تحققه سابقًا، لو قوّم هذا العائد، بالسعر الثابت. وتأتي ثانية البلدان الناشئة، وأثبتت قدرتها على الاستمرار في مواجهة الضغوط التجارية على رغم خسارة العملة الأميركية نسبةً كبيرة تجاه عملاتها الوطنية، تجاوزت 10 في المئة منذ مطلع السنة الحالية. واستطاعت دولٌ في منطقة اليورو، أن تعزّز صادراتها أيضًا، لأن أسواقها الأساسية هي داخل الاتحاد الأوروبي، وتتعامل بـ «عملة موحدّة» تسهّل انسياب المنتجات فلا تواجه فروق صرفٍ تسبب عثرة تجارية.
وتتحكّم الأزمة الاقتصادية، بفعل الضرورة والنتائج، باتجاهات الاستثمار وتَوَجُّه اليد العاملة. ففي الولايات المتحدة كان العاطلون عن العمل يتوجهون نحو ولايات الجنوب خلال أزمة تسعينات القرن الماضي، لكنهم اليوم عاجزون عن الانتقال إذ لا يجدون من يشتري منازلهم، وبذلك ترتفع معدلات البطالة في ولايات،ٍ بينما تحتاجُ ولاياتٌ نامية إلى يد عاملة. لكن المؤسسات تهاجر إلى البلدان الناشئة، وتحقق أرباحًا وتعلن عن موازنات وحجم أعمال كبير بالعملة الأميركية الضعيفة. ففي الشهرين الأولين من هذا العام، تراجع عدد المنشآت الأميركية المستثمرة في الصين ولكن أصولها ارتفعت ، و يعود السبب في جزءٍ كبيرٍ منه، إلى ارتفاع تكلفة الاستثمار في الصين بدفع من إعادة تقويم عملتها الوطنية، ونتيجةً لضعف الدولار.
ويلاحظ، على رغم انعكاسات الأزمة الاقتصادية وتردداتها، أن معظم الشركات المتعددة الجنسيات، أعلن عن تحقيق أرباحٍ في عملياته لعام 2007، ويتوقع أرباحاً هذه السنة. وأن مصرفاً أوروبياً واحداً خسر، بينما بقية المصارف الكبرى، حققت أرباحاً على رغم شطبها قسمًا كبيراً من أصولها بسبب الديون الهالكة. ويبدو أن اكتنازها من عملياتها السابقة جنّبها السقوط المدمّر. وتوجّهت شركاتٌ كبرى إلى الهند والصين، ومنها شركات تجزئة، وارتفعت مبيعات منشآت متنوّعة الإنتاج، من الأغذية والسلع الصغيرة إلى المنشآت التي تتولى تنفيذ مشاريع وتجهيزات كبرى ذات تقنيات عالية. وتتمتع هذه الشركات بوجودٍ قوي في البلدان الناشئة. ويرى ماك مارغوليس في «نيوزويك» أن أسواق البلدان الناشئة، « لا تصمد في وجه الرياح المعاكسة الآتية من الولايات المتحدة وحسب، بل تؤمِّن أيضاً، النسب الأعلى من العوائد والأرباح والحصة في السوق، إلى الأعمال في البلدان المتقدمة». وتقدّم دولٌ مثل البرازيل والصين والهند والمكسيك ثلثي أرباح الشركات المتعددة الجنسية و60 في المئة من نموها.
لكن هذه الطفرة المالية والاقتصادية، التي تشهدها بلدانٌ ناشئة، قد تتأثّر بقدرة الأميركيين على الإنفاق. فالطبقة الوسطى التي بدأت تتوسّع قاعدتها، لدى تلك البلدان، لم تصل بعد إلى مستوى حجم إنفاق الأميركيين. وبحسب تقارير لـ «مورغان ستانلي»، فإن حجم الاستهلاك في الهند والصين لا يوازي سُدْسَ ما تستهلكه الولايات المتحدة، من هنا أهميتها على صعيد الاقتصاد العالمي، كونها اكبر مستهلك لمنتجات الاقتصاد الناشئ، فهي تستورد بحوالى تريليوني دولار، على رغم تسجيلها عجزاً في الموازنة يوازي 2 في المئة من ناتجها المحلي، وآخر تجاري يوازي 6.5 في المئة، ما يجبرُ هذه الدولة العظمى على أن تقترض من شركائها التجاريين 10 ملايين دولار في كل ساعة. وعلى رغم ذلك تبقى في حاجة إلى الاستيراد لتقوية صناعتها، لأن 60 في المئة من إجـــمالي وارداتها يذهب إلى الصناعة المحلية التي تستخدمه في إنتاجها العابر للقارات في ما بعد. وإذا عجزت هذه الصــناعة يرتد خمولها على البلدان الناشئة.
وبخلاف الظواهر الاقتصادية والتباين الظاهري، فإن الولايات المتحدة «ابتدعت» مع الصين والبلدان الناشئة على المحيط الهادئ، اتفاقَ «بريتون وودز» خاصاً، ما يضمن لها «إخلاص» البلدان الناشئة للدولار، ولمدةٍ طويلة، وتضمن أميركا انسياب منتجات هذه الدول إليها.
لذا يبدو «ضعف» الدولار، سياسة جديدة تهدفُ إلى تحقيق جدوى اقتصادية أوسع، وقد تهدف إلى استقطاب استثمارات أجنبية إلى داخل الولايات المتحدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق